samedi 9 février 2013

( عيسى ماروك....جدلية الأصالة والحداثة ) دراسة / إبراهيم موسى النحّاس رئيس نادى الأدب ببيت ثقافة الصف حلوان / مصر



( عيسى ماروك....جدلية الأصالة والحداثة ) دراسة / إبراهيم موسى النحّاس رئيس نادى الأدب ببيت ثقافة الصف حلوان / مصر

كتبهاaissa ، في 31 يوليو 2008 الساعة: 18:48 م

طويل وشاق وممتع أيضا طريق الشعر خصوصاً إذا كان الشاعر قد وصل إلى درجة من الخبرة الحياتيّة والكتابيّة تجعل وعيه وذائقته النقدية لأعماله الابداعيّة لا تقل قيمة عن هذه الأعمال الشعرية نفسها . ومع الرغبة في التجديد يرفض الشاعر أن يكون تكراراً لأصوات شعرية أخرى سواء قديمة أو معاصرة زمنيّاً له ,بل يصل به الأمر لرفضه أن يكرر نفسه في قصائده فتتسع وتختلف المسافة الفنية بين أول وآخر قصيدة كتبها. لتظهر لنا بصمة الشاعر وصوته الشعرى الخاص المتفرد على خارطة الشعر العربى .وشاعرنا (عيسى ماروك ) ينتمى الى ذلك النوع من الشعراء الذين يحفرون بأقلامهم فى صخور الحداثة للتميز الشعرى والتفرّد والابداع.
يرى الحداثيون ( أنّ الابداع فعل حياة والمبدع ينتمى إلى التاريخ كلّه وليس إلى لحظة فيه) (1) لذلك نجد شاعرنا يؤكد على حداثته من هذا المنطلق حيث يجمع فى شعره بين أصالة الفكرة والرؤية والرمز الأسطورى والمعجم الشعرى أحيانا مع حداثته التى تبنّت قصيدة النثر بما فيها من صورة كليّة واستبطان للذات والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة وتفكيك القصيدة بل والعالم والمفارقة والحس الصوفي .
كل هذا لا يولّد تناقضا أو ازدواجية بين الشكل والمحتوى بقدر ما ينتج رؤية فكرية تؤصل وتؤمن بعدم التعارض مطلقا بين الأصالة والحداثة أو بين التراث والمعاصرة:

من أرض بابل
تطّاول عروق دم
و يشمخ في الفرات
موج و محراب
ومن أنملي يزهر الشوك …
حقول انعتاق
و ينفرط عقد المسبحة.
قديما قالوا:
أولياء الله ينامون
… في دمي / في وجعي
و يرحل الزهاد
لأرث مواويل التفجّع(2)
و الاغتراب.
والكلمة لدى علماء اللغة والنقد الأدبي هي ( أصغر وحدة ذات معنى تنهض بالتشكيل العام للأبنية والسياقات اللغوية المتباينة لأيّة لغة ) ( 3 ) لذلك نجد معجم الشاعر اللغوي يعكس ذلك المزج الرائع لنسيج يجمع بين أصالة المفردة والرمز ( أرض بابل – الفرات – انعتاق – المسبحة – أولياء الله – الزهّاد – الاغتراب – إرث مواويل التفجّع ) وبين استخدام قصيدة النثر بآليّاتها الحداثية والتي سبق أن أشرت إليها.ممّا يؤكد أنّ حداثة الشاعر قد بنيت عن وعى بعدم انفصالها عن الجذور وأنّ حداثتنا العربية ليست – كما يدّعى البعض – تقليداً أعمى للغرب وكما أنّ الشاعر يؤكد أنّ قصيدة النثر قادرة على استيعاب التراث دون أدنى قطيعة معه ولننظر لهذا التوظيف القوى للرمز الأسطورى فى قصيدته (أغنية للغربة)
من أعاد فينيق
من غريبته ؟
من ألبس الأرض
قناع السراب ؟
فتاهت مني مدينتي
و إذا ما جنّ الليل
أدمتني مراياها
و هبت تجاويف النخل
تنحت من هامتي
أغنية للوطن ( 4 )
ورغم هذة المعاناة والشعور بالاغتراب والتشيؤ ما زالت الذات حاضرة وما زال السعى والعمل والأمل :
وراء تخومى رماد !!
وألف فارس
يرقب بعث العنقاء.
وراء تخومى
سر
وألف عاشق
يرقب بدرى الأخضر.
ماسك منذ الأزل
على جمرة
ومسبحة .
ماسك منذ الأزل
على قلبي
وأصلّى
لانبعاث المسيح (5)
هذا الالتزام الروحى الصوفى الذى نستشعره فى هذة القصيدة يجعلنى أستحضر كلمات الشاعر المصرى الدكتور عبد الحكم العلاّمى حين قال عن مثل هذة الحالة (نحن أمام عملية تنقية وتطهير لعوالق النفس وهى أشبه ما تكون بعملية تحصين لها حتّى تظل بمنأى عمّا قد يصيبها من شوائب ) (6 ) التزام روحى يجعل عيسى ماروك يصف نفسه هكذا:
نبي الفجر أنا
من فجاءات الليل أطلع…
و من فضاءات المدى النرجسي
ما الأوتار عمدتني
لا …
و لا النوراس أعتقتني
لكن …
طريقي يرسمها الندى
و نجيع يومض من هذي الجراح(7 )
بهذه الصورة يظهر لنا عيسى ماروك فى معظم قصائده (هو الناسك والصوامع دمع والوميض يخرج من ثنايا الألم وبأوردته هبّت المواجد والالتياع, ويداعبه الانتشاء حين يلج الحضرة وتتجلّى الأسرار) فى قصيدته (معارج الحنين ) كما يعلن عن (صحاف قلوبنا المكروبة حيث تسكننا الرزايا وشهوة الفضول وتأويل الحلم ) فى قصيدته (وخز الطلل ) .
من هذة النماذج يمكن أن نقول إنّنا بحق أمام حداثة شعرية جديدة تزيل الحدود بين التراث والمعاصرة وتتبنى قصيدة نثر – جديدة – تقوم على توظيف التراث والرمز الأسطورى واستخدام المعجم الصوفى والقيم الأصيلة فى نسيج لا يعرف التناقض أو التنافر أو ازدواجية الشكل والمحتوى بمغامرة شعرية كبيرة محسوبة للشاعر حيث تأبى قصيدته الاستسهال أو الوقوع فى براثن التقليد - الأعمى – سواء للقديم أو لتجارب حداثية أقل ما وصفت به أنّها ( جعلت الشعر العربى يتطور ويتغيّر حتّى أوشك أن يخرج من إهابه العربى ويستبدل به إهابا لا بالعربى ولا بالأعجمى ) (8 ) .
***************************
الشواهد:
1- (اللغة والشكل ) د . أمجد ريّان ص 8 ……………………….مركز الحضارة العربية .
2- قصيدة (بابل الروح ) عيسى ماروك ……………………….مدونات مكتوب .
3-(دور الكلمة فى اللغة ) ستيفن أولمان ترجمة الدكتور/ كمال محمد بشر ص 45 ..مكتبة الشباب مصر طبعة سنة 1975.
4- قصيدة (أغنية الغربة ) عيسى ماروك .
5- المصدر السابق.
6- (الولاء والولاء المجاور) د/ عبد الحكم عبد الحميد العلاّمى ص 248 ……سلسلة (كتابات نقدية ) الهيئة العامة لقصور الثقافة جمهورية مصر العربية .
7- قصيدة ( ألواح القدر ) عيسى الماروك .
8- ( لاختلاف حول شعر العقّاد ) كمال النجمى مجلة الشعر ص 84 العدد 56 أكتوبر سنة 1989 – جمهورية مصر العربية

26imag

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire