dimanche 10 février 2013

الاقتصاد اللغوي و التكثيف الدلالي ....سمات العنونة عند القاص محمد عبد اللهوم

الاقتصاد اللغوي و التكثيف الدلالي ....سمات العنونة عند القاص محمد عبد اللهوم


تعد المجموعة القصصية " كاترين والرصاص" مثال الاقتصاد اللغوي والتكثيف الدلالي هاتين السمتين البارزتين في عناوين القصص التي تضمنتها المجوعة الصادرة عن منشورات أرتستيك العام 2009 وهذا ما سنحاول إبرازه من خلال تناولنا لقصة " الحوت "
إن العلاقة (النص/ العنوان) بالأساس «علاقة جدلية، إذ بدون النص يكون العنوان وحده عاجزا عن تكوين محيطه الدلالي، وبدون العنوان يكون النص باستمرار عرضة للذوبان في نصوص أخرى» ، لذا فإن عملية العنونة تكتسي أهمية كبرى ،فهو لا يوضع اعتباطا على الغلاف «إنه المفتاح الإجرائي الذي يمدنا بمجموعة من المعاني التي تساعدنا في فك رموز النص، وتسهيل مأمورية الدخول في أغواره و تشعباته الوعرة» .
وله حضوره الصارخ كونه يتموضع في البدء وخلال السرد الذي يدشنه، ويعمل كأداة تفك طلاسم القراءة. لذا سنسعى لوصفـــه:


أ- سيميائية العنوان الخارجي " الحوت " :
أول ما يلفت انتباهنا أنه دال مفردة ، موغل في الاقتصاد اللغوي والاختزال يحتل موقعا استراتيجيا هاما، إذ أن «له الصدارة ويبرز متميزا بشكله وحجمه. وهو أول لقاء بين القارئ والنص. وكأنه نقطة الافتراق حيث صار هو آخر أعمال الكاتب وأول أعمال القارئ». معنى ذلك أنه بذل جهدا لاقتناء هذا العنوان الموجز، ووضعه في الموقع اللائق به، الذي أعطى بعدا جماليا معينا.
إن كلمة "الحوت" هكذا مجردة توحي بالقوة والعظمة من جهة وبالجبروت والبطش من جهة أخرى ، فقد ذكر ابن منظور في الجذر " ح و ت " في لسان العرب معاني المرواغة والحومان ، كما أنها اقترنت بعقاب سيدنا يونس عليه السلام لقوله عز وجل: ﴿ وإن يونس لمن المرسلين (139) إذ أبق إلى الفلك المشحون (140) فساهم فكان من المدحضين (141)فالتقمه الحوت وهو مليم (142)﴾ .
وله أيضا دلالة شعبية، إذ كثيرا ما يتردد على ألسنة العوام" الحوت الكبير يأكل الحوت الصغير " دلالة على غلبة القوي وغياب القانون وسيطرة من يقبضون على أرزاق الناس فيصبح الحوت رمز التجبر والظلم والطغيان .
وإن كنا نرى في كلمة "حوت" كل هذه المعاني والدلالات، فإن "الحذف" في الجملة الاسمية منحها معان جانبية، ولم يقصرها على دلالة وحيدة - وإن كان التعريف تحديدا - ، فإذا احتكمنا إلى النص الحكائي (محل الشاهد)، نستطيع أن نفترض أن كلمة "الحوت" قد تحمل بعدا تراثيا، بما أن النص القرآني يصور الحوت كنوع من العقاب الذي سلطه الله على نبيه يونس ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى حضور تيمة الغياب ( بطن الحوت ) التي تمهد لمستقبل أكثر إشراقا( النبوءة) وهو ما يحاول الكاتب الوصول إليه في خاتمة القصة من خلال توظيف رمزية الحوت القرآنية ، فحتى لو لم يجزم الروائي بذلك، فلن نستسلم لرأيه. وكأن الروائي يحاول أن يمارس علينا شيئا من التمويه، حتى لا نفكك رموزه بسهولة، وليضفي كذلك بعدا غرائبيا على مضامين بعض كلماته، إذ كيف يدعي أن الحوت نوعان أحدهما مسالم والآخر شرس ، والنص مشحون بمصطلحات تفند هذا الزعم ؟
فإلى أي مدى كان "الحوت" كعنوان وفيا للنص الحكائي ؟ وهل تصدق عليه مقولة: "الظاهر عنوان الباطن" ؟...

ب- سيميائية العناوين الداخلية (الفرعية):
تضمنت القصة ثلاثة عناوين فرعية ، حمل الجزء الأول عنوان "الغياب" ، وهو العنوان الفرعي الأول المفتتح للنص القصصي، ويواصل الكاتب فيه الحذف حدّ التلغيز الذي يدفعنا للبحث في ثنايا النص لفك شفرة العنوان الذي يحمل دلالة عميقة مبنية على الفراغ والشك والذكر بالسوء إذ أن غياب الأب يولد فراغا يدفع الولد إلى الشك في سبب طول غياب والده، وسوء سلوك أمه يزيد من شكوكه ، كما أن الأم تسعى لتغييب الولد من المشهد بإعطاه منوما كي تمارس لعبتها السرية التي لا يكشف الكاتب عن كنهها إلا في المشهد الثاني.
أما اللوحة الثانية، فتحمل عنوان "الافتراس و اللعبة "، يبدو جليا للعيان المفارقة في العنوان فقد جمع بين النقيضين " اللعب والافتراس " فالواو سبب هذا اللبس إذ أننا نعتقد للوهلة الأولى أنها للعطف ، وهنا يبرز السؤال الملح : ما الذي جعل الكاتب يقدم الافتراس في الجملة رغم أن الحوت " الوحش الافتراضي " يلهو بفريسته قبل أن يلتهمها ؟ وفي ذلك إيحاء ببداية الانتقال من مرحلة إلى أخرى تبدو أكثر وضوحا من سابقتها، بما أنها تجسد الحضور ، فلأول مرة يظهر الحوت الأخضر المفترس في النص والرعب الذي ينشره في الجزيرة ( الحيز المكاني الذي تجري فيه الأحداث ) ، إن الموضوعة المتخفية وراء العنوان تبرز جلية من خلال رمزية اللون الأخضر المرتبط بالمال ( الدولار) فالشخصيتين اللتين تدور حولهما الأحداث في هذا المشهد كلاهما يمارس دور الوحش والضحية ، فهما ضحية الظروف المحيطة التي جعلت الحوت الكامن داخلهما يكشر عن أنيابه ليبتلع كل شيء .
أما اللوحة الثالثة، فتحمل عنوان "ولادة من نار " ، والدلالة الايحائية لهذا العنوان تنفتح على أسطورة طائر العنقاء الذي يبعث من رماده فهو رمز الحياة المتجددة ، وهناك خيط دقيق بين المشاهد الثلاث فعودة الوالد هي بمثابة ولادة من جديد تجسد ثيمة الحضور التي تهمين على المشهد الأخير في مقابل الغياب الذي سيطر على المشهدين الأول والثاني ، لكنها ولادة من نار تلتهم الوحش المفترس وتعيد الأمان للجزيرة من جديد « فتشمخ الجزيرة عاليا لا تطالها أفواه الحيتان » .
أن الكاتب قد اختار عنوان قصته بعناية فائقة، جعلت منه مدخلا أوليا للولوج إلى النص وسبر أغواره لا من خلال أفق التوقع الذي يفتحه فحسب، و إنما جعله يرافق المتلقي والقارئ كنص موازي يتقاطع مع المتن الحكائي ليفكك بعض شفراته التي قد تستعصي عليه أثناء تدرجه مع عتباته عمقا ، وهو ما منح العنوان قوة من خلال لغته المشكلة له، التي تعبر بصدق وبعمق وبوضوح عن رؤية الكاتب لصراع الحياة وسطوة الفساد الذي التهم كل شيء وغاب العقاب فلم يرتدع المفسدين بعد أن ساد قانون الغاب ، كل ذلك يجسده الحوت بما حمل من دلالات حافة ، ولأن « الفجر قادم » لا محالة و « انتفاضة البراكين » لن يطول انتظارها كان لابد أن « تنتهي اللعبة السرية » ، تلك هي رمزية الصراع الدائر بين الخير والشر على وجه البسيطة مادام عليها إنسان.

----------
ملاحظة :للموضوع مراجع 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire