samedi 9 février 2013

عيسى ماروك:نقوش عتيقة على نص حداثي



عيسى ماروك:نقوش عتيقة على نص حداثي

بقلم الأستاذة غزلان هاشمي
يقول اليوت:إذا أردت أن تجدد في الشعر فيجب أن تكون جذورك عميقة في الماضي".وأنا أدخل النص الموسوم بـ"نقوش على جدار قديم" للشاعر الجزائري "عيسى ماروك"أحسست برهبة التاريخ وسطوته،إذ يحيلنا خطابه الشعري على هوية مبعثرة تحاول عبر ارتحالاتها أن تلامس لحظة الدهشة التي شكلها هاجس التغيير أو هاجس الممازجة بين التراث/الحداثة،ولعل عتبة النص أو ما يسمى بالنص الموازي أو العنوان يبرز هذا الاحتفاء بشكل كبير،فما يقوله العنوان؟.
العنوان:"نقوش على جدار قديم"
تأتي تركيبة العنوان على شكل جملة اسمية تنتفي معها حركة الفعل،إذ التغييب لهذا الأمر هو إضفاء لنوع من السكون الذي تقتضيه الذاكرة،حينما تلامس منطقة الصفر بعيدا عن توترات التحول أو تلامس همس الماضي في اللحظة الراهنة ليضفي عليها بعدا استرجاعيا فاقدا لحس التغير المأمول،وهذا طبعا هو ترجمة للحالة النفسية التي يعايشها الشاعر ،والذي يجعل نصه مسكونا بهاجس الماضي/التراث،وما يؤكد الأمر لفظة نقوش التي تحيل على صمت اللغة أو لذلك النص المغيب الباحث عن التحرر بمنطق الفعل المتستر خلف جدار قديم رمز الذاكرة أو رمز الهوس بالتاريخ والأصالة،ولأن لفظة "نقوش" جاءت نكرة فإن النص يروم التأسيس للغة التشفير الملغز حيث تتحول اللغة إلى بحث واستكشاف في المغاليق والمجاهيل،لكن على جدار قديم،أي على هوية تاريخية معروفة هي هوية اللغة/النص/الهرم التي تستدعينا للدخول إلى عالمها تفكيكا لهذه الألغاز.

أتيتك
نورس عشق
دعته شواطئ ذاك الحنين
فلم تقبضين يديك
تثيرين هوج العواصف في عيون النهار
حينما يسير التشكيل اللغوي نحو التصاعد،يتحين النص هذا الانفلات ليؤسس منطقه ،حيث يغدو هوية في طور الانجاز،والذي يؤكدها هو حركة الفعل التي تبدأ في زمن الماضي لتنتهي في المضارع.إن الشاعر عيسى ماروك حينما يبدأ نصه بهذا الفعل فكأنه يحاول التمرد على سكونية لحظة الذاكرة وثباتها أو الثورة ضد اللازمن،إذ يرغب في استبدالها بزمن يحتفي بالتحول والتعدد من الماضي(أتيتك) وصولا إلى المستقبل واللحظة الراهنة(تثيرين)،وتساعد ألفاظ معينة على التنويه بهذه الإشارات الزمنية المتحولة ،مثل لفظة نورس التي تدل على الانتقال والارتحال لتعود إلى شواطئ الحنين أو شواطئ النص الموسوم بوجع الانتظار.
تتشكل تركيبة النص وفق مقاطع بمسارات هرمية رأسها هذا الفعل"أتيتك" المرسوم بحدود الذاكرة،ليجعل قاعدته تسير نحو تشكيل أفق مستقبلي وكأنه يعيد ترتيب عوالمه وفق ثنائية التجاوز/الانخراط،حيث يتم تجاوز زمن التلاقي والانصهار في لحظة البوح،لينخرط الزمن الآني في لحظة الألم الموسوم بالرفض…….أو لحظة الإنكار المختزل في حرف النفي "لم"،ليتم كسر كل تلك التنميطات القبلية الجاهزة تأسيسا لنص جديد منطقه التمرد.
إن الشكل يستدعي أهم رمز تحفل به الذاكرة الإنسانية"الهرم"،ومن هنا يعيد الشاعر ماروك تشكيل نصه الشعري بالمزج بين البعد الحضاري والآمال المستقبلية،حيث تكون الكتابة منجزا حداثيا تكسر معايير الكتابة التقليدية،لكن في قالب يستدعي رمزا أصاليا،وتشير هذه الموضعة إلى احتفاء بالتاريخ،والى دعوة للدخول إلى عالم النص الموسوم بالغموض،وكأنه اعتراف بأن الكتابة أو الإبداع هو دخول في المجهول لا المعلوم ـ على حد تعبير أدونيس ـ ،لذا يصعب فك شفراتها أو الوصول إلى معناها النهائي،كشفرات الأهرام الساكنة في مصاف المغاليق،حتى كانت القراءات المتعددة مجرد تلويح بتلميحات محايثة لا غير مهما كثرت الأفعال التي تسكن النص/الهرم من أعلاه لأسفله(أتيتك ـ دعته ـ تقبضين ـ تثيرين).
أتيتك
مثل السنونو
ترحل عن عشه
ألف عام
فلم تغلقين الشبابيك في كل دار.
ويواصل الشاعر خطاباته الهرمية حيث يصبح لديه هاجس الحضور مقرونا بالتكرار لفعل أتيتك،ذلك ما يؤكد ثنائية الماضي/الحضور،إذ الذات الشاعرة تتموضع في لحظة الذاكرة لتمارس التغييب في لحظة المستقبل،ومن هنا تصير الثنائية معكوسة المستقبل/الغياب الذي ينتهي باستفهام أو زمن مساءلة القصيدة عن تغييبها لفعل البوح،واستبدالها بزمن التخفي وراء طلاسم اللغة والتشفيرالمموه داخل هرم النص.فتعقيدات التجربة الشعورية هي نفسها تعقيدات ذلك الكون الشعري ،والذي يحيلنا لفعل التأجيل حيث يصبح النص منجزا في طور التشكيل،لا يعترف بحدود النهائية ولا سبيل لكشف بوحه،إذ المعنى يعيد تشكيل نفسه في كل مرة هروبا من صفة الثبات والاستقرار،أو هروبا من الهوية الجاهزة.وما يؤكد ذلك لفظة " نورس" ولفظة"السنونو" اللتان تحتفيان بجاهزية المكان وحضوره حيث تعتبران إيذانا بالوصول، لكن لا تعبران عن اكتمالية المكان/الهوية،فالنورس يظهر على شواطئ الانتظار ،لكنه لا يتجرأ على اختراق لفظة المدينة/النص،وكذا السنونو حضوره مقرون بسقف النص حيث يلامسه ولكنه لا يدخل إليه.ومن هنا يبقى الحلم المؤجل:اكتمال الوصال/اكتمال معنى النص.
وحينما نسائل النص نجد الشاعر مسكونا بوجع الاغتراب فكما يقول رولان بارط:"خطاب العاشق خطاب توحد ووحشة"،لذا نلحظ أن استدعاء الهرمية في لحظة الكتابة الحداثية هي اعتراف بهذا الهاجس بالزمن،الذي يسكن ذات الشاعر،والذي يخلق مفارقة واضحة تروج لثنائية النص/الاغتراب أو الحاضر/الاغتراب،وما يؤكده تكرار لفظة الغربة في العديد من المقاطع مثل:
تتيه المفاوز في غربتي
علام تطيلين منفاي؟
وقوله:ولا دار كأس الحنين
على غربتي
حين دار وقوله:
فمتى سأظل غريبا
كرسم على ذا الجدار
هذا الأخير يحيل على منطق الحلم أو يوتوبيا الحنين والاسترجاع،حينما تكون اللحظة المأمولة مغيبة ضمن حدود البوح المسيج بالتكتم،ومن هنا يتضح هم الشاعر المتمثل في ترقب لحظة الذاكرة/المرأة ،واسترجاعها تأويليا بكسر تشفيراتها حداثيا لتتحول إلى ثنائية الحاضر/النص ،و ليتحول النص إلى اعتراف بامتلاك سلطة التغييب والتشفير،وأن من يريد الكشف عن حدوده واعترافاته فسيؤول الأمر به إلى متاهات الانتظار أو إلى المعنى المؤجل دوما،المغلف بهالة التاريخ الغامض والمرتكس لزمن البحث عن كنز المعنى الحقيقي…….والذي مهما توهمنا الوصول إليه فلا سبيل لإدراكه ،ولعل ما يثبت ذلك كثرة الاستفهامات في النص والتي تدل على عقل مسائل لزمن القصيدة،لا ينتظر إجابة جاهزة وإنما يتحداها بخلق الأسئلة المؤصلة لفعل البحث والتنقيب.
يبقى إذن النص الماروكي منفتحا على تأويلات متعددة،فقد استطاع أن يخلق معاييره الخاصة وهوية تحترم الاختلاف وذلك بالمزج بين لحظة الماضي ولحظة الحاضر…….هوية تستدعي الأصيل وتجعل منه مكونا مركزيا……إنها هوية تحترم حدود الإفصاح لكن ضمن مسارات الموروث العتيق.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire